حقيقة صحبة الشيخ عبدالقادر الجيلاني و الشيخ محمد الزعبي
هل كان لجدنا السيد عبدالقادر الجيلاني صاحباً أسمه "محمد الزعبي" ؟!!
وجدنا كتاب يذكر شخصية تدعى (محمد الزعبي) كان حسب الزعم صديقاً للشيخ عبدالقادر الجيلاني. محمد الزعبي صديق الشيخ عبد القادر الجيلاني المزعوم كان لديه معجزات وخوراق؛ بل كان يتمتع بصفات من صفات الربوبية والعياذ بالله حيث كان يميت الناس بكلمة "مت" ويحيي الناس وينزل المطر وينبت الزرع ووووإلخ...
ومن الأمثلة على خوارقه أنه صرخ بوالي الرقة قائلاً: "مُت" فخرَّ صريعاً، وكان أيضاً يعلم الغيب ويعرف ما في نفوس الناس دون أن يصرّحوا عن مكنون نفوسهم.
نرد على هذا الكلام:
أولاً: هذه القصة أول من رواها هو صفي الدين عبدالمؤمن بن أبي منصور في كتابه "مناقب الأولياء (الرسالة المنصورية /ص40 )" حيث كان الشيخ محمد الزعبي صديقه حسب الزعم.
ثانياً: هذه الخوارق والمعجزات (الأكاذيب) كإماتة الناس بكلمة "مُتْ" أو إحياء الموتى وانزال المطر وانبات الزرع وغيرها من الخزعبلات؛ مجرد أكاذيب ابتدعها المنحرفين من المتصوفة الذين ضلوا طريق الحق والمنهج القويم، ولم تكن في زمان الشيخ عبدالقادر الجيلاني ولم يُحدّث أحد من المعاصرين للشيخ عبدالقادر الجيلاني عن حدوث شيء من هذا القبيل في ذلك الزمان، ولكن انتشرت هذه الخزعبلات بعد وفاة الشيخ عبدالقادر الجيلاني بعشرات بل مئات السنين، لأن الصوفية في زمان الشيخ عبدالقادر الجيلاني كانت منضبطة ولا تخالف الكتاب والسنة وكانت بمعنى الزهد بالدنيا والاجتهاد بالطاعات والإقبال على الآخرة. ونحن بهذا الكلام لا ننفي وقوع الكرامات، ولكن عندما تصل إلى درجة معجزات الأنبياء وصفات الربوبية بلا أدنى شك أنها أكاذيب وخرافات. وقد شاع هذا نوع من الخزعبلات في آواخر عمر الدولة العثمانية، ومعلوم أن الخرافات والخزعبلات كانت تتفشى في مجتمعات الدول التي تصاب بالضعف والترهل.
ثالثاً: أقول لقد بحثنا في كتب تراجم الرجال سواءاً المعاصرين للشيخ عبدالقادر الجيلاني أو الذين بعده لم نجد أي ذكر لشخصية "محمد الزعبي" الصديق المزعوم إلا في كتاب "مناقب الأولياء /الرسالة المنصورية / ص 40" وكتاب "إرغام أولياء الشيطان بذكر مناقب أولياء الرحمن - الطبقات الصغرى / الجزء 4 / ص 587" لعبدالرؤوف المناوي المتوفي عام 1031 هجري الذي نقل القصة عنه نسخ لصق.
رابعاً: نسأل: من هو والي الرقة الذي صرخ به الشيخ محمد الزعبي المزعوم بكلمة "مُتْ" فخَرَّ ميتاً، يفترض أن هذه القصة وقعت في زمن الدولة العباسية وهذا الوالي خاضع لها وموكل من قبل الخليفة، فمن هو؟!، ولماذا لم يذكر أحد من المؤرخين المعاصرين له هذه القصة؟!، فنحن نتحدث عن حاكم تم اغتياله بكلمة، وعندما نقول والي الرقة فهذا يعني أنه حاكماً لجميع البلاد الواقعة على الحدود العراقية السورية التركية ومن ضمنها ديار بكر، وكان يجب أن ينتشر خبر هذه القصة بالتفاصيل انتشار النار بالهشيم. ولكن عند البحث لم نجد لها ذكر إلا في كتاب صفي الدين بن أبي منصور (مناقب الأولياء) عبدالرؤوف المناوي ( الطبقات الصغرى) الذي نقل عنه نسخ لصق. وهذا يجعلنا نجزم أن محمد الزعبي المزعوم صديقاً للشيخ عبدالقادر الجيلاني مجرد شخصية وهمية خيالية لم يكن لها وجود على أرض الواقع.
خامساً: والأهم في الموضوع:
على فرض أن الشيخ محمد الزعبي ثبت أنه شخصية حقيقية، نقول:-
- المعلوم أن صفي الدين عبدالمؤمن بن أبي المنصور ولد عام 658 للهجرة.
- والشيخ عبدالقادر الجيلاني توفي كما ذكر الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عام 561 هجري.
- أي أن بين ولادة صفي الدين ووفاة الشيخ عبدالقادر الجيلاني 97 عام.
- ومحمد الزعبي الصديق المزعوم حين رآه صفي الدين عبدالمؤمن بن أبي المنصور مؤلف الكتاب وراوي القصة كان عمره 80 عام.
- ونفرض على أقل تقدير أن صفي الدين حين رأى محمد الزعبي كان عمره 15 عام أي سن البلوغ.
وبعملية حسابية بسيطة يثبت لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن محمد الزعبي على فرض أنه شخصية حقيقية ولد بعد وفاة الشيخ عبدالقادر الجيلاني بـ 32 عام تقريباً فكيف يكون صديقه بالله عليكم؟!
ولتوضيح آكثر:
١) تاريخ ولادة صفي الدين بن أبي منصور 658 هـ + سن بلوغه 15 = 673
٢) 673 - 80 عام سن محمد الزعبي حين التقى به صفي الدين = 593 هـ تاريخ ميلاد محمد الزعبي.
٣) 593 تاريخ ولادة محمد الزعبي - 561 هـ تاريخ وفاة الشيخ عبدالقادر الجيلاني = 32 عام بين وفاة الجيلاني وولادة محمد الزعبي.
سادساً: والأمر الذي جعلنا نتأكد أن هذا الكتاب أي (مناقب الأولياء - الرسالة المنصورية) لصفي الدين بن أبي منصور إما أنه ملفق أو أنه تم الدس في القصة أسم "محمد الزعبي" وأسم الشيخ عبدالقادر الجيلاني هو: ورود نفس القصة حرفياً نسخ لصق في كتاب (روض الرياحين في حكايات الصالحين / ص٣٩٢) لليافعي اليمني المتوفي عام ٧٦٨ هجري وهو كتاب صوفي أيضاً و لكن بدون ذكر أسم الشيخ محمد الزعبي وأيضاً بدون ذكر الشيخ عبدالقادر الجيلاني. والمريب أن صاحب كتاب روض الرياحين لم يشير إلى أن هذه القصة مأخوذة من كتاب صفي الدين بن أبي منصور (الرسالة المنصورية) كونه أول راوي للقصة، وكون أن اليافعي اليمني صاحب كتاب روض الرياحين معاصراً له !!.
سابعاً وأخيراً والفضيحة:
نجد أن نفس القصة حرفياً يذكرها الحسين بن جمال الدين الأنصاري الخزرجي المتوفي في عام ٦٥٧ هجري في كتابه ( سير الأولياء في القرن السابع الهجري / ص ٥٦ ) ولكنه ذكر كنيته (الزغبي) بالغين المعجمة وليس (الزعبي) بالعين المهملة، وأيضاً يقول الحسين بن جمال الدين الأنصاري الخزرجي مؤلف الكتاب أن هذه القصة حصلت معه!!!
فمع مَنْ حصلت هذه القصة بالضبط؟!!!
هل حصلتْ مع صفي الدين بن أبي منصور القطيعي البغدادي المتوفي في عام ٧٣٩ هجري مؤلف كتاب (مناقب الأولياء / الرسالة المنصورية) ؟!!!
أم تراها حصلت مع الحسين بن جمال الدين الأنصاري الخزرجي المتوفي في عام ٦٥٧ هجري مؤلف كتاب (سير الأولياء في القرن السابع الهجري) ؟!!!
نترك للعقلاء أن يتأملوا هذا الكذب والتزوير!!
تعليقات
إرسال تعليق