حقيقة قصة حرب زعب مع الشريف و بنت غافل
《 حقيقة قصة حرب زعب مع الشريف و قصة بنت غافل 》
// رداً على المدعو سعد بن بركي بن سطام المجذمي //
يحكى أن هذه القصة حصلت قبل 300 عام من الآن يعني قريب عام 1100 هجري و يستدل بها السذج كي يربطوا بين قبيلة زعب السلمية الخليجية و آل الزعبي الجيلاني الهواشم في بلاد الشام فما هي حقيقة هذه القصة ؟!
تفاصيل هذه القصة كما ذكر عبدالله بن محمد بن رواس في كتابه ( شاعرات من البادية / الجزء الأول / ص ٦٩ ) و هو كتاب حديث : أنه قبل ثلاثة قرون فتاة من قبيلة زعب وكانت ابنة شيخها ويدعى "ابن غافل" و كان بجواره رجل من قبيلة حرب له قطيع من الأبل ، فطمع الشريف الهاشمي حاكم مكة المكرمة بتلك الإبل و أراد الإستيلاء عليها؛ فأرسل إلى شيخ زعب "إبن غافل" أن يرسل له إبل جارهم الحربي " و إلا حاربهم، و لكي يقوا أنفسهم الحرب مع الشريف طلبوا من جارهم الحربي أن يبيعهم الإبل، و لكنه رفض بيعها، فأرسلوا للشريف و قالوا له : إن جارهم لم يقبل ببيع إبله، فعرضوا على الشريف أن يدفعوا له من إبلهم، و لكن الشريف رفض عرضهم، و قام بالهجوم على زعب بجيشه و تغلب عليهم و قتل معظمهم و شتت شملهم، و لاذ بعضهم بالفرار ، و كانت بنت شيخ زعب المدعو "ابن غافل" من بين الذين لاذوا بالفرار على جمل لها، فتاهت بالصحراء، و إعتصمت بإحدى الأشجار فمر بها ركب من قبيلة الدواسر؛ طلبوا منها النزول إليهم فأبت حتى أخذت منهم العهد أن لا يمسوها بسوء، و أخذوها معهم إلى ديارهم، فأُعجب بجمالها ابن شيخ قبيلة الدواسر و تزوجها فأنجبت منه إبناً أسمه "سبّاع"، و ذات ليلة إتهمتها نساء قبيلة الدواسر بأنها مغموزة النسب، فقالت قصيدة ترد بها عليهن.
تعليقنا على هذه القصة الخرافية بعدة نقاط :
أولاً : يقولون أن هذه القصة حصلت قبل ثلاثة قرون (٣٠٠عام تقريباً) و لكن لم نجد أي مرجع أو كتاب معاصر أو مقارب لزمن حصولها ذكرها أو حتى و لو بالتلميح ، فالقصة تتكلم عن معركة حصلت بين قبيلة زعب و الشريف الهاشمي حاكم مكة المكرمة و قد انتصر فيها الشريف على زعب فلماذا لم يذكرها أحد من المؤرخين المعاصرين لها أو القربين من زمن حصولها ؟! فقد رجعنا تقريبا لكثير من الكتب و المؤلفات التي ذكرت تاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة و مؤرخي الأشراف فلم نجد لها أي ذكر إطلاقاً ، لم يذكرها إلا أصحاب المؤلفات الحديثة بناءً على الرواية الشفوية من أبناء زعب في يومنا الحاضر .
ثانياً : المعروف عن قبيلة حرب أنها من أكبر و أقوى و أشكم و أمنع قبائل الجزيرة العربية في ذلك الوقت و حتى في يومنا الحاضر تعتبر من أكبر قبائل المملكةالعربيةالسعودية، و سكنت في الحجاز قرابة عام 300 هجري قريب من المدينة المنورة . يعني كان الأوجب على الرجل الحربي الذي إستجار بقبيلة زعب أن يستجير بقبيلته (حرب ) و هي القبيلة الكبيرة القوية ، و على فرض أن القصة حصلت فعلاً لماذا قبيلة حرب لم تدافع عن ابنها و تنصر زعب من باب رد المعروف أليس جزاء الإحسان إلا الإحسان؟؟!! و لكن من سرد القصة أن قبيلة حرب لم تتدخل أبداً .
مع أنه كان هناك عداء عتيق و متجذر بين الأشراف و قبيلة حرب و وقع بينهم حروب و معارك كثيرة ، أمثلة عليها :
١- معركة بين الشريف زيد بن محسن حاكم مكة و قبيلة صبح من حرب في عام ١٠٤٣ هجري . ( كتاب تاريخ قبيلة حرب/ الجزء الأول/ ص٢٢١ ).
٢- معركة بين الشريف سعد بن زيد حاكم مكة و قبيلة حرب عام ١١٠٥ هجري . (كتاب تاريخ قبيلة حرب / الجزء الأول/ ص ٢٤٥ ).
٣- عصيان قبيلة حرب للشريف سعد بن زيد عام ١١٠٣ هجري . (كتاب تاريخ قبيلة حرب / الجزء الأول/ ص ٢٤٠ ).
٤- وقعة بدر بين الشريف بركات بن محمد حاكم الحجاز و قبيلة حرب في عام ١٠٨٤ هجري . ( كتاب تاريخ قبيلة حرب/ الجزء الأول/ ص ٢٣٠ ).
٥- معركة بين الشريف عبدالله الحارثي أمير ينبع و قبيلة حرب في عام ١١٠٠ هجري و انتهت بإنتصار قبيلة حرب و مقتل الشريف عبدالله الحارثي . (منائح الكرم في أخبار مكة و البيت و ولاة الحرم / الجزء الخامس/ ص ٩١ ). و نلاحظ أن هذه مزامنة لقصة بنت غافل المزعومة قبل 300 عام من الآن.
ثالثاً : في قصيدة بنت غافل بيت ينسف صحة هذه القصة من أساسها و هو : ( زعب هم أهل المدح و المجد و الثنا = من الربع الخالي للحجاز حدودها)!!
الربع الخالي تسمية حديثة أطلقها المستشرقين الرحالة الغربيين ، فقد كانت أول رحلة موثقة لرحالة غربي إلى الربع الخالي تلك التي قام بها برترام ثوماس عام 1931 وجون فيلبي عام 1932، أي قبل 90 عام فقط.
رابعاً : حصلت أمور موثقة مع قبيلة زعب قريبة جداً من زمان حصول هذه القصة تؤكد أنها قصة خرافية :
١- يذكر المؤرخ العاصمي المكي المتوفي سنة ١١١١ هجري في كتابه ( سمط النجوم العوالي / الجزء الرابع / ص ٣٩٤) :
"أن الشريف أبو طالب حاكم مكة المكرمة ( توفي ١٠١٢هـ) قبل وفاته بأيام كان وقع من شيخ زعب جناية فحبسه ، ثم إن جماعة الشيخ الزعبي طلبوا من الشريف أبو طالب أن يرضى عليه ويعطوه ما يطيب خاطره وإتفقوا بينهم على مائة فرس و ألف بعير و كذا و كذا من الدراهم ثم أحضروا جميع ذلك و وصلوا به إليه فقال لهم : أنا ما كان مرادي إلا تأديب الشيخ الزعبي وليس غرضي في طمع منه".
نلاحظ أن قبيلة زعب بدلاً من أن تعلنها حرب على الشريف أبو طالب حاكم مكة المكرمة لأنه حبس شيخهم تسترضي الشريف و تعرض عليه الدراهم و 100 فرس و ألف بعير !!! . فلماذا لم تقوم زعب بمعارك كي تنقذ شيخها من الأسر ؟؟!!
٢- يذكر المؤرخ النسابة الشريف ضامن بن شدقم في كتابه تحفة الأزهار / المجلد الثاني / القسم الأول / ص ٣٨٢ :
أنه حصل خلاف و جفاء بين الشريف زيان و أبيه الشريف منصور مما إضطره للرحيل إلى مضارب قبيلة زعب و أقام معهم مدة طويلة و كانوا يجلونه و يعظمونه كثيراً، و قد مالت إليه الكثير من القبائل العربية و خضعت له، فإشترى من قبيلة زعب ديارهم و مناطق سكنهم ( كشب و مران و الحفر) بحصان أعور مما يدل على أنه كان يذلهم و يهينهم و يهزأ بهم مستغلاً ضعفهم و حاجتهم إليه، و لم يكتفي بذلك بل منعهم من الإقامة في الديار و منع عنهم الماء؛ فرحلوا عنه و هم صاغرون أذلاء، و كان يطلب الإتاوة من كل من يريد الماء؛ من كل عير بعير و من كل غنم شاة مقابل السماح لهم بورود الماء، و إستثنى المتاريك فلم يمنع عنهم الماء و عاشوا مع نسله بعز و كرامة حتى عام ١٠٧٨ هجري .
تخيلوا حصان أعور مقابل : 👇
- كُشب بالضم , اسم جبل تعرف به تلك الناحية .
- والحَفر بالفتح ثم السكون عيون مياه .
- و مَرّان بفتح الميم و تشديد الراء قرية غنّاء كبيرة .
فلماذا لم تدافع قبيلة زعب عن قراها و ديارها و مناطق سكنها كما دافعت عن الرجل الحربي في قصة ابنة غافل المزعومة ؟!!
هذه الأدلة العلمية القاطعة على بطلان قصة حرب زعب مع الشريف من أجل إبل جارهم الرجل الحربي و المرأة بنت غافل.
تعليقات
إرسال تعليق